كتب عنه الدكتور عبد الرحمن حجازي
شخصيات صيداوية صدقت وابدعت وخلدها دينها وصدقها
".... حملت أجهزة المخابرات وقوى الأمر الواقع تهديد الشيخ القطب باستمرار بأن يغادر مع زوجته المصرية وبناته الخمس وابنه الوحيد حسن إلى مصر عام 1975، وتقتصر زياراته لصيدا في المناسبات أو لطباعة كتاب.كان يواجه الانحراف الفكري في قيادات عربية رأت أن باب القومية والاشتراكية هو باب الأمل والمستقبل للأمة العربية... وصدق القطب وانهزمت تلك التيارات عامي 1967 و1982 لمحاربتها الدين وأهله وبقي ارث القطب الديني والثقافي والتربوي خالدا...."
شخصيات صيداوية أبدعت ورحلت
المفكر الإسلامي الشيخ محمد علي القطب 1929 – 2010
عرفت صيدا عالما من كبار العلماء في العالمين العربي والإسلامي ومن أوسعهم فكرا وأغزرهم نتاجا، زامل القلم ستين عاما، صرفها في البحث والتأليف، تاركا للمكتبة العربية والإسلامية أسفار ملهمة وكتباً نفيسة في التاريخ والفكر الإسلامي والشريعة والسيرة.
إنه الشيخ محمد علي القطب، أحد أبناء صيدا المولود في دار آل القطب في سوق الحياكين من حي السراي. ولد عام 1929، وهو الابن البكر للحاج حسن القطب. رب عائلة تتألف من ستة أبناء.
التحق الشيخ محمد علي القطب بكلية المقاصد الإسلامية، وتخرج منها عام 1949، وعين مدرساً في ملاك وزارة التربية في منطقة كفركلا الجنوبية، ولنشاطه الدعوي وثقافته الإسلامية المميزة، اختارته البعثة الأزهرية في صيدا ليتابع دراسته الشرعية في الأزهر الشريف في مصر عام 1953 بصحبة الطابين أحمد الزين، وفؤاد سعد المصري.
تخرج الشيخ محمد علي القطب من كلية الشريعة عام 1958، وعاد إلى مدينة صيدا، بصحبة زوجته فوزية عبد الله. ليلتحق من جديد بالتعليم الرسمي. وليكون خطيب الجامع البراني في صيدا "مسجد الأمير فخر الدين".
كان الشيخ محمد علي القطب خطيبا مفوها، وبليغا في اللغة، وذا صوت جهوري. وعقلية علمية مقنعة، إذا تكلم أنصت الجميع، محفزا الهمم على أخذ دورها الريادي في التصدي للباطل. ودعوتها إلى أن تصدح بالحق.
تصدى للحركات القومية التي تنال من العمل الإسلامي، وللحركات اليسارية التي تهاجم الإسلام. وكاد أن يكون وحيدا في هذا الميدان.
كان يواجه الانحراف الفكري في قيادات عربية رأت أن باب القومية والاشتراكية هو باب الأمل والمستقبل للأمة العربية. وكان يرى أن كل عمل تحرري وكل ثورة إسلامية لا يكون منطلقها من المدينة المنورة، حيث وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم اسس الأخوة الإسلامية والإصلاح ثورة فاشلة تفضي إلى اقتتال المسلمين وسيشهد التاريخ على ذلك.
كان يردد أبياتاً شعرية للشاعر ناظم حكمت التي تقول: إذا لم تحترق أنت.. ولم أحترق أنا.. إذا لم نحترق نحن فمن يضيء الطريق..
واجه الانحراف الفكري في مجتمعنا العربي بصلابة وشجاعة، وتصدى لقادة أرادوا الانحراف بالثورة الفلسطينية عن مسارها الطبيعي. وتحداه أحد قادتها أنه سيلتحق بدورة تدريبية في الخارج حول حرب العصابات، وسيثبت بالدليل العملي أن زمن الإسلام ولى وانتهى.
وعاد ذلك القائد بعد ثلاثة أشهر ملتزما بالإسلام، والسبب هو أن القائد اليساري الذي كان يشرف على الدريب قال: أهم درس في حرب العصابات هو السرعة، وسأحدثكم عن انتقال خالد بن الوليد من العراق إلى الشام. فيقول القائد الفلسطيني: أتيت إلى هنا لتحدثني عن خالد بن الوليد، فيرد القائد: خالد بن الوليد أستاذ السرعة في الحرب.
رأى الشيخ محمد علي القطب أن سبب الانحراف عن الفكر الإسلامي هو ضحالة معلومات الناشئة عن الإسلام وأبطاله فأراد أن يسد هذه الثغرة الفكرية فكتب:
- تراجم لمشاهير الصحابة تحكي عن أعمالهم وبطولاتهم وجهادهم في 120 جزءاً.
- من أبطال الإسلام، قدم شوامخ بلغوا بجهدهم ذرى المجد وخطوا أروع الصفحات في سفر الخلود، في 10 أجزاء.
- كتب بأسلوب مبسط ممتع عن غزوات النبي صلى الله عليه وسلم في 15 جزءاً.
- كتب عن سرايا النبي صلى الله عليه وسلم في 10 أجزاء.
- تحت عنوان "فدائيون في الإسلام"، كتب عن البطولات الخارقة في 10 أجزاء.
- عن الاستشهاد في سبيل الحق كانت سلسلة شهداء كربلاء في 20 جزءاً.
- كتب سلسلة أركان الإسلام وشخصيات إسلامية في 14 جزءاً.
- حياة محمد صلى الله عليه وسلم، سلسلة في السيرة النبوية تتميز بالإحاطة والتكامل في أسلوب جذاب ممتع وسهل مبسط في 30 جزءاً.
- قصص الحيوان في القرآن الكريم. سلسلة نحكي بأسلوب مبسط قصة الترابط بين حياة الأنبياء وبين بعض الحيوانات مع بيان الحكمة من ذلك في 20 جزءاً.
- سلسلة مسلمات خالدات تحكي بطولات ومواقف المسلمات الأوائل من الصحابيات وغيرهن في 50 جزءاً.
- سلسلة فرسان الإسلام تحكي بطولات ومواقف لفرسان الإسلام وشجاعتهم في 10 أجزاء.
- سلسلة أسرار إسلامية تتحدث عن حدث بارز من التاريخ الإسلامي في 10 أجزاء.
- سلسلة تربوية من كتاب كليلة ودمنة في 8 أجزاء.
ويمكن الاطلاع على لائحة كتبه على الانترنت من خلال هذا الرابط
هذه الاندفاعات الفكرية في الكتابة والخطابة والتصدي لعمليات الهدم الفكري حملت أجهزة مخابرات على تهديد الشيخ القطب أن يغادرو مع زوجته المصرية وبناته الخمس وابنه الوحيد حسن إلى مصر عام 1975، وتقتصر زياراته لصيدا في المناسبات أو لطباعة كتاب.
وإذا كان الكاتب الكبير عباس محمود العقاد قد ترك حوالي مئة كتاب. ويعد من أغزر الكتّاب العرب إنتاجاً، فإن الشيخ محمد علي القطب ترك أكثر من أربعمائة كتاب طبعت في لبنان وسوريا ومصر. وهو يصنف مع المجاهدين في دعم قضايا الحق والنضال من أجل الوصول إلى الحقيقة.
زعامات، وقيادات، ورجال فكر ودين عرفت الشيخ محمد علي القطب، وعرفت طباعه وعزة نفسه وعلو كرامته ورفعة نفسيته. وكل من تعرف عليه احترمه وإن اختلف معه في الرأي.
أمضى الحياة في القاهرة كاتبا وباحثا، حتى وافته المنية عام 2010 وهو ممسك بالقلم. وسار في جنازته مئات الألوف من المصريين والعرب ودفن في مدافن الأزهر.
ولا نبالغ إذا قلنا أن الشيخ محمد علي القطب، حمل للأمة ما يناسبها من الفكر، وهو من الجيل العملاق في البذل والعطاء، وأراد إنسانية تطأطئ لها الرؤوس وأخوة إسلامية تبذل في سبيلها النفوس.
رحل الشيخ محمد علي القطب عن عمر يناهز الحادية والثمانين، وما أصابه الوهن منذ مقتل ولده حسن في بيروت، وسقوط المصاب عليه جللاً.
يلخص الشيخ محمد علي القطب في شخصيته كل ما هو حق في هذه الأمة، ولعل رسالة التعليم التي آثرها في حياته الدعوية ومارسها طوال حياته جعلته داعية ناجحا على كل المستويات.
ونتمنى على دار الفتوى في صيدا، التي تميزت بمفت مثقف نشيط يحب العلم والعلماء أن تكرم الشيخ محمد علي القطب حتى تتعرف الأجيال على عبقري من صيدا ملأ الدنيا وشغل الناس.
_____________________________________________________________________________
كتب عنه عبد الباسط ترجمان
كان بليغاً سريع البديهة، يتمتع بذاكرة قوية، مشهوداً له بالفصاحة منذ صغره، وكان من المتفوقين في اللغة العربية وخاصة في مادة الإنشاء التي برع فيها بشكل كبير، مُتفقه في الدين منذ صغره، جرئياً خطيباً... الكثير من أبناء مدينة صيدا لا يعرف عنه شيئاً، فهو عالم هذه المدينة، ولكنه كان يعيش خارجها، إذ أنه استوطن لسنوات طويلة في مصر.
من عائلة صيداوية مشهورة، ميسورة الحال، من أبوين سعيا لتربية أبنائهما تربية صالحة، في جو إيماني... كان والده سائقاً، ينتظر الركاب في الأعياد والمناسبات لنقلهم إلى رفح وفلسطين...
في عام 1930م ولد عالم صيدا الشيخ محمد علي القطب، في حي باب السراي/ سوق البازركان، وكان الولد البكر في العائلة المكونة من ثمانية أشخاص....
تابع علومه في مدرسة المقاصد، بعد انهاء صف الفلسفة انتقل للتدريس ضمن وزارة التربية، فدرّس في ضواحي مدينة صور وفي بعض قرى شرق صيدا ثم انتقل بعد ذلك ليدرس في مدرسة القناية الرسمية في صيدا...
منذ الصغر كان عنده ميل للتدين، فاتفق مع الشيخ فؤاد سعد والشيخ أحمد الزين على أن يتقدموا بطلب للأوقاف الإسلامية ليكونوا ضمن الدفعة التعليمية إلى الأزهر في مصر، وافقت مديرية الأوقاف وتوجه الثلاثة إلى مصر وذلك عام 1952م.
في عام 1956م تزوج الشيخ محمد علي القطب من السيدة فوزية عبد المجيد عبد الله " مصرية من القاهرة " وأنجب منها: سعاد، ندى، رندة، بسمة، حسن، سهير، وقد تخرجوا من الجامعات المصرية وحصلوا على جنسية البلد الذي يقيمون فيه.
وفي هذا العام (1956م) وقع العدوان الثلاثي على مصر، فاضطر للعودة إلى صيدا برفقة زوجته وسكنوا فيها حتى عام 1975م.
زاول في مدينة صيدا مهنة التدريس، فدرّس في مدرسة القناية مدة من الزمن، ثم توجه إلى السعودية مع عائلته لمدة عام ثم عاد إلى صيدا.. وعاود التدريس في مدرسة القناية حتى سن التقاعد عام 1994م.
أثناء الحرب الأهلية في لبنان انتقلت عائلته للعيش في مصر، بينما بقي الشيخ في صيدا يسافر في الأعياد والمناسبات إلى مصر للإطمئنان على أهله...
في عام 1990م توفي ولده حسن بحادث سير مؤلم في مدينة بيروت.
بعد وفاة والدته في آذار 1997م انقطع عن مدينة صيدا وعاش في مصر حتى عام (2009م).
في عام 2009م عاد إلى لبنان لإجراء فحصوصات طبية، إذ كانت صحته تتدهور، وكانت آخر زيارة له إلى مدينة صيدا، ثم انتقل إلى السعودية لزيارة ابنته فأصيب بجلطة أقعدته السرير مدة من الزمن، ثم عاد إلى مصر...
عمل الشيخ محمد علي القطب في تأليف الكتب المنوعة، واشترك مع الشيخ أحمد عبد الجواد الدومي في تأليف عدة كتب، كان معتمداً لدى المكتبة العصرية في صيدا كمدقق لغوي في الكتب قيد الطبع... وقد بيعت كتبه بشكل كبير في لبنان ومصر وسوريا والسعودية وتركيا والكثير من دول العالم الإسلامي...
في يوم الجمعة الأول من أيار 2010م، جلس على طاولته حاملاً قلمه يُسطر به ما يفيد الأمة، اقترب وقت صلاة الجمعة، فترك القلم على أمل العودة بعد الصلاة ليكمل ما قد بدأ به.
خرج من منزله وتوجه نحو " السوبر ماركت " اشترى بعض الحاجات وطلب من العامل إيصال البضائع إلى منزله، ثم توجه إلى بائع الخضار ولكن ما أن وصل إلى المحل حتى سقط على الأرض، فاتصلوا بسيارة الإسعاف وتم نقله إلى المستشفى، وبعد فحوصات كثيرة أخبر الطبيب أهله أن وضعه غير مستقر.
يوم الاثنين (4 أيار 2010م) ظهراً نزل ملك الموت ليقبض روح الشيخ محمد علي القطب من على سريره في المستشفى، وعصر يوم الثلاثاء (5 أيار 2010م) سار الناس خلفه يشيعونه إلى مقبرة الأزهر حيث دفن هناك.
رحمة الله عليك يا شيخ محمد علي، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتغمدك الله برحمته، وأن يجعل الجنة مثواك...